ماهو العقل

الــعــقـــل

احتار الفلاسفة و العلماء في مضمار البحث العلمي إثناء تساؤلهم عن العقل و معطياته و مكان و وجوده و إلية عمله و مدى تفاعله مع الطبيعة , و تكيف سير حياة الإنسان به , و ازداد بهم عناء و مشقة البحث لسنوات طوال حيث صنفوا عنه الأبحاث و الكتب و خلال هذه الحيرة برز العديد من العلماء و الفقهاء و المفكرين الذين وضعوا نظريات عديدة , مما شوقنا إلى الحديث عن العقل , و جعلنا نسير على سيرتهم و نمد خطانا إلى خطاهم لكي نتعمق و نتمحص هذه النظريات و ما نصبوا إليها من إدراك حقيقي للعقل و العقلانية و نصل من خلال رؤية للموضوع إلى وضع تعريف جديد للعقل و مفهومه

إن العقل هو ما يعقل به حقائق الأشياء و محله الرأس و هو مأخوذ من عقال البعير , و يمنع ذوي العقول من العدول عن سواء السبيل, و يعنى الاتزان و التحكم و السيطرة على التصرفات من الفرد على نفسه , و التعقل من الفرد على غيره , و ذلك واقعياً ينتج عن الموازنة بين الأمور , أي إن الفرد يوازن بين أمرين أو خيارين من عدة خيارات ليظهر فعل الإنسان اتجاه الأمر المختار بينهما , إذن فبالعقل يعٌرف الإنسان على انه مدرك و عاقل و بدون إلية فعله يكون الإنسان غير عاقل .

و من يمتلك جهاز التعقل و ما يكتسبه من معطيات عقلانية , يكون بذلك عاقل وفق كينونة في كيانه و مكانه و زمانه .

إن العقل يعمل من خلال نسيج خلايا بالدماغ تقع خلف مقدمة الرأس مرتبط بموصلات ارتباطية بين خلايا الذاكرة و التذكر , و مركز السلوك بمقدمة الرأس, و هنا يقوم هذا النسيج الخلوي ببرمجة ما يأتيه من مؤثرات خارجية عبر الأجهزة الحسية مع المراكز السلوكية و مركز الذاكرة و التذكر , و بهذه المنظومة يقوم العقل من خلال التفاعلات العقلانية بتقديم أفكار متزنة و مدروسة وفق طبيعتها (( علمية , سياسية ... الخ , و أوامر تنفيذية للجسد أو صور تخيلية بطبيعة النفس الآمرة

و لان الإنسان الذي نعرف انه يتركب من مركبين مادي و غير مادي , الغير مادي هو ما نعرفه باسم الروح و نحن في غنى عن الحديث في أمرها بأمر المولى عز و جل إما الـجزء الـمادي فهو يتـكون من شـقين ثنائيين هما النفس و الجسد , و النفس و هي شــــــق مـادي غـير منظور , و الجسد وهو شـــق مادي منظــور , (( و قد أوضحنا هذا بالتفصيل في كتابنا التقنية النفسية )) , من خــلال ارتباط هــذين الشقيــن يتكــون



الإنسان الذي يوضح اسم نوعه انه مثني فإنسان اسم مثنى مفرده انس

و انس + انس = إنسان (( راجع كتابنا التقنية النفسية ))

و من الناحية اللغوية هناك في اللغة العربية (( الدقيقة )) أداتين للاستفهام و الاستعلام الأولى هي(( ما )) و تستعمل للسؤال عن غير العاقل , و الله عز و جل في محكم آياته يستخدم في نص القران الكريم للتساؤل عن الجسد , قوله عز و جل (( و يعلم ما في الأرحام )) و ما في الرحم يكون جسد حي و لكنه غير عاقل , و كذلك في القران الكريم قوله عز و جل (( و نفس و ما سواها )) حيث إن النفس شق غير عاقل , بينما نجد أن الإنسان العاقل يستفهم عنه بلفظ من, و هي تطلق على الإنسان المدرك العاقل , و أما لفظ ما تنطق لغير العاقل , و الإنسان العاقل هو من يزن بين هذين الطرفين (( النفس و الجسد )) .

إذن النفس غير عاقلة و الجسد غير عاقل , و بدخول النفس للجسد عند الولادة سوف يكون الطفل مركب يطلق عليه من , و ينادى بها العاقل , و نجد إن للنفس شهوات لو تبعها الإنسان انزاح العقل لها و من الأمثلة على ذلك إن إنسان وجد كنز من الذهب وزنه قنطار و نصف قنطار فان النفس تأمر بحمل القنطار و النصف بينما الجسد لا يستطيع إلا حمل نصف قنطار , و تلك هي حدود قدرته , فإذا تبع شهوة النفس و رضخ العقل لأمر النفس فسوف يهلك الجسد و النفس , و لو انه حمل نصف قنطار و احتكم لأمر العقل لنجى بالنفس و الجسد و الذهب , بينما لو تدخـــــــل المعـــطى (( الذكاء )) لوجد حل لمعضلة حمل الذهب كله , و يوضع العقل في جدال بين ما تشتهيه النفس وما يستطيعه الجسد و هنا نجد إن العقل ميزان بين شهوات النفس و قدرات الجسد , و ببداية التفاعل بين كلاً من النفس و الجسد يتنامى الإدراك العقلاني بالتفكير عن ما تشتهيه و ما يستطيعه الجسد , و هذا التفاعل يكون مستمر طيلة حياة الإنسان من طفولته إلى وفاته , و يتميز لنا هذا التفاعل من أساسيات و معطيات في الحياة , يستعين بها من واقع البيئة و المجتمع الذي يعيش فيه و تكون هي المعطيات العقلانية , و هي الدين و العادات و التقاليد و الذوق و الأخلاق و ما يتحصل عليه من مستوى تربوي و تعليمي و هذا الميزان يعمل وفق ما يتغذى به من معطيات عقلانية حيث الميزان يتأرجح بين كفتي النفس و الجسد و يكون ذلك وفق طبيعة الكائن الحي و الزمان و المكان , إذ إن ما قام به راجيف غاندي إمام الملاء بحرق جثة أمه كان قمة العقلانية لدي قومه إما في قومنا فهو تصرف غير عاقل .

تلك طقوس الديانة الهندوسية في بلاد الهند فهم عاقلين إما في بلاد الإسلام

فهم غير ذلك , و لا يمكن إن نضع إن الإنسان اعقل من الحيوان و هذه مغالطة حيث إن الحيوان كائن أخر مخالف للإنسان , فان الحيوان اعقل من الإنسان في كيانه و الإنسان اعقل من الحيوان في كيانه حيث إن لكل منهما معطيات عقلانية مخالفة و ميزان عقلاني مخالف و لا يستطيع الإنسان بناء خلية نحل و لا يمكن للنحل بناء بيت للإنسان .

فكلُُُ عاقل في كيانه و زمانه و مكانه

وفق ما يحظى به من معطيات عقلانية

و لو تسألنا مرة أخرى عن العقل , لأدركنا أن الصراع بين النفس و الجسد و بتدخل التفاعلات الكيميائية بجسد الإنسان لأدراك المعقول و اللامعقول وفق ما يختزن بذاكرته و دماغه من خبرات و تجارب يتفق مع معطياته العقلانية , فانه يتضح لنا الدور الكبير الذي يمثله الدماغ بالنسبة للعقل.

وان الإنسان يصاب بالأمراض العقلية و النفسية و العضوية و هنا نجد أن الخلايا المسئولة على الإدراك العقلي تتأثر بكل من الإمراض العضوية و الإمراض النفسية فكلاهما يؤديان إلى إمراض عقلية , فعليه فان أي مرض عضوي يؤدي إلى تلف بالخلايا المركزية العقلية سواء أكان قصور في الدورة الدموية المؤدية إلى هذه الخلايا أو إصابة جرثومية أو أورام سرطانية و إما خلافه فان ذلك سيؤدي إلي خلل في وظيفة هذه الخلايا و ينتج عنه مرض عقلي .

و بالمثل لو كان هناك إصابة من الإمراض النفسية مؤثرة إلى درجة أعلى تصيب مراكز الخلايا العقلية سيؤدي ذلك إلى مرض عقلي و هنا يتبن لنا إن العقل يخضع للجسد من أوامره و إمراضه و كذلك النفس من أوامرها و إمراضها , و إن المقدار العقلاني يخضع بقدرة الخلايا الدماغية على الاتزان بين ما تشتهي النفس و قدرة الجسد البيولوجية و المادية وفق ما يحظى به من الطبيعة من معطيات عقلانية .

و من خلال هذا الرسم التوضيحي يمكننا فهم العقل و وظيفته و دوره في حياة الانسان .


د. حسن علي عبد الحميد

منقول

شكرا على النقل المميز

دمت بود